الليبراليون الجدد.. المبادئ والأهداف..!
يقول شيخ الليبراليين العرب شاكر النابلسي، موضحاً المقصود بمصطلح الليبراليين الجدد: "ظهر التيار الليبرالي العربي، أو التيار العقلاني التنويري في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على أيدي جيلين من المفكرين التنويريين. فكان الجيل الأول يمثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبي، وشبلي شميّل، وفرح أنطون، وغيرهم. وظهر الجيل الثاني في بداية القرن العشرين، وكان يمثل طه حسين، وقاسم أمين، ومحمد حسن الزيات، وتوفيق الحكيم، ومحمد حسين هيكل، وغيرهم. وهؤلاء جميعاً اشتركوا في تيار فكري وسياسي واحد...
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر تيار تنويري ليبرالي قادته مجموعات كبيرة من النخب الثقافية في العالم العربي... وكانت هذه النخب تتبنى خطاب التنويريين العرب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين...
وفي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وبعد 11 سبتمبر 2001م على وجه الخصوص، الذي يعتبر فاصلاً تاريخياً عربياً... ظهر جيل جديد من الليبراليين أطلق عليهم الإعلام العربي "الليبراليون الجدد". وهؤلاء نادوا بعصر تنوير جديد، وهو مقدمة لفلسفة المستقبل، وتبنوا أفكار التنويريين الذين جاءوا في القرن التاسع عشر، والذين جاءوا في بداية القرن العشرين، وكذلك أفكار الليبراليين الذين جاءوا في النصف الثاني من القرن العشرين". [من هم الليبراليون العرب الجدد، وما هو خطابهم؟- شاكر النابلسي- الحوار المتمدن].
فالليبراليون الجدد – كما يتضح من كلام النابلسي- مصطلح يرتبط بأفكار معينة لفترة زمنية معينة، وهم النسخة الأخيرة من الليبراليين العرب، وأفكارهم حصيلة لكل ما سبقهم من أفكار على مدى ما يقرب من نصف قرن من الزمان، بدأت بأفكار التيار العقلاني الذي ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر، إلى وقتنا الحالي.
و"لا تختلف الليبرالية الجديدة عن الليبرالية القديمة إلا في الوسائل والأدوات، حيث إن مبادئ الليبرالية وثوابتها المنطلقة من أسسها الأربع (العلمانية، العقلانية، الفردية، والنفعية) لم تتغير، بل تغيرت آليات العمل بها، ربما الفارق الشكلي الأكبر بين الليبراليتين؛ هو أن القديمة ارتبطت أكثر بأوروبا وفلاسفتها ومفكريها خلال القرون الثلاثة الأخيرة، بينما ارتبطت الليبرالية الجديدة أكثر بأمريكا والأمريكيين". [معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية، د. عبد العزيز مصطفى كامل، ص(191)].
مبادئ الليبراليين الجدد:
لن نبتعد كثيراً عن النابلسي بل لن نبتعد عن كلامه السابق، وسنذكر ما حذفناه من كلام في الفقرة التي صدرنا بها تقريرنا لنثبته هنا، حيث سجل النابلسي أهم المبادئ التي نادت بها مدارس الليبرالية المختلفة على مدار تاريخها، فأوضح أن الأفغاني ورفاقه اشتركوا جميعاً في تيار فكري وسياسي واحد كان ينادي بالمبادئ التالية:
- حرية الفكر المطلقة.
- حرية التدين المطلقة.
- حرية المرأة ومساواتها بالحقوق والواجبات مع الرجل.
- التعددية السياسية.
- المطالبة بالإصلاح الديني.
- المطالبة بالإصلاح التعليمي والسياسي.
- فصل الدين عن الدولة. وكان هذا المطلب خاصاً بالجيل الثاني لليبراليين العرب في مطلع القرن العشرين.
- إخضاع المقدس والتراث للنقد العلمي. - تطبيق الاستحقاقات الديمقراطية.
كما أوضح النابلسي أن تيار الجيل الثاني تبنى أفكار من سبقه، ثم أضاف عليه المبادئ الآتية:
- محاربة المجتمعات الديكتاتورية العسكرية والقبلية والحزبية المتسلطة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين بعد الاستقلال، وأحدثت ما نُطلق علية "كوارث الاستقلال".
- المناداة بإقامة المجتمع المدني.
- إحياء دعوة الإصلاح الديني من جديد.
- التأكيد على العلمانية، وفصل الدين عن الدولة.
أما الليبراليون الجدد فقد بين النابلسي أنهم تبنوا أفكار التنويريين الذين جاءوا في القرن التاسع عشر، والذين جاءوا في بداية القرن العشرين، وكذلك أفكار الليبراليين الذين جاءوا في النصف الثاني من القرن العشرين، وأضافوا إليها مبادئ أخرى منها:
- تأكيد إخضاع المقدس والتراث والتشريع والقيم الأخلاقية للنقد العميق.
- اعتبار موقف الدين العدائي من الآخرين موقفاً جاء بناء على ظروف سياسية واجتماعية معينة قبل خمسة عشر قرناً، ولم تعد هذه الظروف قائمة الآن.
- اعتبار الأحكام الشرعية أحكاماً وضعت لزمانها ومكانها، وليست أحكاماً عابرة للتاريخ كما يدعي رجال الدين، ومثالها الأكبر حجاب المرأة، وميراث المرأة، وشهادة المرأة.. الخ.
- إن الفكر الديني وهو الفكر الذي جاء به علماء الدين وفقهاؤه ورجاله وليس الدين الرسولي نفسه، يقف حجر عثرة أمام الفكر الحر وتطوره، كما يقف حجر عثرة أمام ميلاد الفكر العلمي.
- لا ولاء مطلقاً للماضي المحكوم بماضيه فقط، ولا انغلاق عليه. وفهم الحاضر يدفعنا إلى إعادة النظر في قيم الماضي، وضرورة خلق المستقبل الذي هو لبّ الحداثة.
- على العرب أن يتخلوا عن المثل الأعلى الموهوم الذي يتقمصوه تخيلاًً، ومكابرة، واستعلاء، وانتفاخاً كانتفاخ الطواويس (لنا الصدر دون العالمين أو القبر).
- تحرير النفس العربية من ماضيها، ومن حكم الأسلاف الذين ما زالوا يحكموننا من قبورهم.
- عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الديكتاتورية العاتية واستئصال جرثومة الاستبداد وتطبيق الديمقراطية العربية، في ظل عجز النخب الداخلية والأحزاب الهشة عن دحر تلك الديكتاتورية وتطبيق تلك الديمقراطية.
- لا حرج من أن يأتي الإصلاح من الخارج، ولكن بالطرق الديبلوماسية، والمهم أن يأتي سواء أتى على ظهر جمل عربي، أو على ظهر دبابة بريطانية أو بارجة أمريكية أو غواصة فرنسية.
- الإيمان بالتطبيع السياسي والثقافي مع الأعداء، والاعتراف بالواقعية السياسية وما يجرى على أرض الواقع العربي السياسي.
- الوقوف إلى جانب العولمة وتأييدها.
- المطالبة بمساواة المرأة مع الرجل مساواة تامة في الحقوق والواجبات والعمل والتعليم والإرث والشهادة.
قال الدكتور عبد العزيز كامل معلقاً على هذا الكلام: "ماذا بقي بعد هذا التقيؤ الليبرالي الصهيوني؟! من حق القارئ أن يعترض عليّ.. أنني قد مررت سريعا على الكلام عن أولئك الليبراليين المحليين الذي يمثلون الخطر الأكبر والعداء الأعظم: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون)[المنافقون:4]، ولكن السبب في ذلك التخطي لهم الآن؛ هو أن فتنتهم تحتاج إلى مؤلف مستقل، نسأل الله أن يعين، ويوفقني إلى ذلك أو غيري".[معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية، د. عبد العزيز مصطفى كامل، ص(194)].
ما بين الليبراليين والليبراليين الجدد:
يعد "الليبراليون الجدد" حملة لواء الليبرالية في هذا العصر، ولكن هناك بعض المجموعات الليبرالية تختلف معهم في بعض التطبيقات، لا في مجمل المبادئ والأفكار، فكل ليبرالي هو مشروع قابل لأن يحمل رؤية "الليبراليون الجدد"، ومن مظاهر الاختلاف بينهم:
- الليبراليون الجدد أكثر نشاطا وتفاعلا من بعض الليبراليين الآخرين.
- الليبراليين الجدد غارقون في التعاون مع أمريكا وحلفائها العرب، قلة من الليبراليين يحتفظون بعلاقة مع الجهتين، لكنها دون الإغراق، ودون التورط.
- الليبراليون الجدد ديمقراطيتهم انتقائية؟، لا تقبل الإسلاميين، والآخرون لديهم استعداد أكبر لقبول نتائج الديمقراطية.
- الليبراليون الجدد يعادون الحركات الإسلامية، والآخرون أكثر موضوعية وأقل عداءاً.
- الليبراليون الجدد مرتبكون تجاه الثورات العربية، والآخرون أكثر وضوحاً.
- الليبراليون الجدد ثابتون في دعم أمريكا ومغازلة إسرائيل، الآخرون يتفاوتون.
وفي الجملة فإن الفروق بينهم محلها الخيارات السياسية، وطبيعة التحالفات، أما أصولهم الفكرية متشابهة في العلمانية، والحرية، والمساواة، والديمقراطية، والموقف من الآخر، والمرأة، والموقف من الشريعة الإسلامية، وغيرها من الموضوعات.[الليبراليون الجدد – أحمد القايدي: ص(15-16)].
أبرز رموز التيار الليبرالي الجديد:
1- شاكر النابلسي: كاتب وناقد أردني، ولد في 1940م، وتوفي في مطلع هذا العام 2014م، وتدور كتاباته في الجملة حول الدعوة إلى الليبرالية ونقد الفكر الإسلامي، ومن أشهر أعماله: "الليبراليون الجدد: جدل فكري"، والليبرالية السعودية بين الوهم والحقيقة"، و"الحداثة والليبرالية.. معا على الطريق".
2- سيار الجميل: أستاذ التاريخ والفكر المعاصر ولد في العراق عام 1952م، حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من بريطانيا، ومعظم نتاجه بحثي منشور في دوريات علمية، وله العديد من المقالات المتعلقة بالتنظير الليبرالي.
3- أحمد البغدادي: مفكر وأكاديمي كويتي (1951-2010م) درس العلوم السياسية في جامعة الكويت، وحصل على ماجستير في الفكر السياسي الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية في فلسفة الفكر الإسلامي من جامعة أدنبرة، صدر له العديد من الكتب، منها: "الديمقراطية معنى ومبنى".
4- د. سعيد النجار: أكاديمي شغل الكثير من المناصب الاقتصادية، ويمكن اعتبار النجار "لطفي السيد" تلك المرحلة التي تبلورت فيها الليبرالية الجديدة في مصر. إذ يعد أستاذا لعدد كبير ممن حمل الفكر الليبرالي في مصر في مرحلته الراهنة. [تقرير الحالة الليبرالية في مصر- د.طارق عثمان- ص (52-53)].
فهذا الاتجاه هو آخر أطوار الليبرالية، وهو الليبرالية التي تبنته الدول الصناعية الكبرى والمنظمات الدولية؛ كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية، وبدأت آثاره ومعالمه تتضح أكثر فأكثر.
وقد أصبح صوت هذا الاتجاه هو المرتفع لتبني الإمبراطورية الأمريكية له، لا سيما في ظل نظام القطب الواحد، وقد شعرت بقية الدول المعتقدة لأفكار اقتصادية أخرى أنه لا مندوحة عنه، ولهذا أخذت في تعديل ما تعتقده من أفكار ليتوافق معه، ويسير مقارنا له، كما حدث في الاتحاد الأوروبي الذي يعتقد أكثر أعضائه الليبرالية الاجتماعية. [حقيقة الليبرالية، وموقف الإسلام منها، ص (178)].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق