اقسام الموقع

مرحبا اعزائي الكرام

الاثنين، 27 مارس 2017

�������� ثقافتنا وأخلاقنا إلى أين؟ هل هي ذاهبة للانحسار والأفول؟

ثقافتنا وأخلاقنا إلى أين؟ هل هي ذاهبة للانحسار والأفول؟



ثقافتنا وأخلاقنا إلى أين؟
هل هي ذاهبة للانحسار والأفول؟
أم أنها صامدة في وجه الثقافات والأخلاق الشرق أوسطية؟
د. كمال الحمصي

لا يمكن حصر السلوك الإنساني في لون واحد، أو توحيده في أسلوب واحد، أو تماثله تجاه أمورٍ متنوعة أو قضايا مختلفة أو مفاهيم متعددة. فالسلوك في أمر ما يختلف عنه في أمرٍ أو أمور أخرى، وكذلك الحال للقضايا والمفاهيم وغيرها من دواعي ومسببات السلوك، فالاختلاف ليس في الشكل والصفات والقوام واللون والسحنة وغيرها من الصفات الجسمية، بل حتى في الجانب النفسي والثقافي والأخلاقي وفي كل شيء. كما أن السلوك في أمر أو قضية أو مفهوم واحد يختلف بين أبناء المنطقة الواحدة أو في بلد بالمقارنة مع البلدان الأخرى. والخلاف يزداد فيما بين الشعوب والدول، كلما اتسع مسرح المقارنة. فالسلوك الإنساني يمتلك طيفاً واسعاً من تلاوين السلوك المختلفة،
 والسلوك يسمى العادات السائدة في هذه الدولة أو تلك، وقد تتحول إلى طباع إذا كانت ذات ديمومة، أما حينما تكون متجذرة ويأخذ بها ويتعامل معها وبموجبها كل المجتمع عندئذ تصير ثقافة تظهر كأداء سلوكي، بمضمون أخلاقي يلازم هذا السلوك ويغذيه. وما هو ثقافة فاضلة وأخلاق عالية هنا قد لا تكون كذلك في مكان آخر. وللتربية والتعليم في كل أمة أو مجتمع، وللتاريخ والدين والعادات والاقتصاد وغيرها أثر كبير على بروز هذه الثقافة أو تلك، وانتشار هذه الأخلاق أو انحسارها، وللتبادل الثقافي والتجاري والزراعي والصناعي، والوشائج الاجتماعية، وواقع التحصيل العلمي والبحثي، والتمثيل الدبلوماسي والسياسي، والمشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية، والانفتاح على الشبكة المعلوماتية، كل ذلك نوافذ تتسرب منها الثقافات والأخلاق ومن خلالها تدخل حيث تشاء بشرعية وقانونية، ويلعب الإعلام والسفارات ووسائل الدعاية والترويج وغيرها من الوسائل غير المرئية، الدور الأهم في تقويض بنيان المجتمعات وفت ثقافاتها وتقويض أخلاقها، والأمة العربية على رأس قائمة المستهدفين،
حيث يعملون على مبدأ الحت البطيء لثقافتنا وتعرية أخلاقنا معتمدين على مبدأ المثابرة والدأب المستمر لتحقيق ذلك، وعلى الصمت وعدم الإفصاح عن المقاصد البعيدة، وإبراز المقاصد القريبة المسمومة تحت مسميات وصور براقة، مثل التعاون، أو التحالف الدولي، أو الإنعاش الاقتصادي، أو النهوض التنموي، أو من أجل إحلال السلام العالمي، وتعميم الديمقراطية وغيرها. وتُسخَّر كافة الأسلحة الإعلامية والجنسية والمالية والسياسية والدعائية والمخترعات والتقنيات الداعمة لتحقيق الأهداف الخفية، ألا وهي تقزيم الثقافة العربية، وتحجيم لغتها، ومسخ الإنسان من خلال مسخ أخلاقه، والانحدار بالأمة من خلال إحلال الثقافات السوقية وأخلاق الانحلال التثويرية، وجعلها إن استطاعت أسساً ثورية للفوضى الخلاقة. ومن خلال هذا التقديم الوجيز لا بد للتعرض لبعض الثقافات والأخلاق التي كانت سائدة في الأمة العربية، وكيف أصبحت اليوم فمنها ما هو غير مستساغ، ومنها ما هو مريض، ومنها ما يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومنها ما انتهى واستُبدل بثقافات وأخلاق الشرق الأوسط الجديد، لدرجة أن ما كان بالأمس خيانة أو عيباً، فهو اليوم مقبولاً ووطنياً، ويحضرني في هذا المقام قول المعتمد بن عباد حاكم قرطبة وإشبيليا عندما وقع في الأسر، لأقوله لأولئك الذين وقعوا في الشرك الصهيوأميركي
قالوا الخضوع سياسةٌ فلْيبدُ منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضوع على فمي السم النقيع
شيم الأولى أنا منهم والأصل تتبعه الفروع
لذا أتمنى على الفروع التي احترقت كالفراشات انبهاراً بالأضواء الباهرة، والجلبة المارقة لمشروع الشرق الأوسط الجديد، أن تنأى بنفسها بعيداً عن ظهور إخوانهم الصامدين في وجه الثقافات والأخلاق الغازية، وألاّ يكونوا عوناً للأعداء على أبناء جلدتهم، الذين لا يريدون منهم أي عون أو مساعدة ومساندة، سوى أن يقفوا على الحياد وألاّ يكونوا النار التي تحرق ظهور إخوانهم. وكما قال طرفة بن العبد:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهندِ
أما أنا فأقول:
إذا شاب الغرابُ ترى سلاماً يمنّيه على العرب اليهودُ
كذاك العم سام سوف يصنع سلاماً عندما تؤمن ثمودُ
ولنستعرض معاً هذا الانحسار والأفول لثقافتنا وأخلاقنا.
ثقافة وأخلاق النخوة والإجارة
من السمات العربية التي سادت أيام تصاعد وترامي الحضارة العربية الإسلامية على أرجاء المعمورة ثقافة إغاثة الملهوف، وإجارته حتى ولو كان عدواً وهذه هي ثقافة وأخلاق النخوة والإجارة. وخير من عبر عنها طرفة بن العبد بقوله:
إذا القوم قالوا من فتىًَ خلتُ
أنني عنيتُ فلم أكسل ولم أتبلد
)وَإِنْ أحد مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حتى يسمع كلام اللـه ثم أبلغه مأمنه([التوبة: 6].
ووفقاً لمضمون هذه الآية فالغوث والإجارة لا يكتملان إلا بإيصال المستجير إلى موطنه، فهل من وجود الآن لهذه الثقافة والأخلاق؟
ثقافة وأخلاق الوفاء
الوفاء من السمات التي تميز العرب عن غيرهم رغم عدم تفردهم به عن الشعوب الأخرى، إلا أن الوفاء لديهم يُحضُ عليه من الإرث العربي الإسلامي كالوفاء بالعقود والكيل والميزان والعهد والأمانة وغيرها.
كما قدم التاريخ لنا صوراً مشرقة عن الوفاء، كوفاء السموءل لأدرع الكندي.
وفيت بأدرع الكندي إني
إذا ما خان أقوام وفيت
ووفاء الأعرابي للملك المنذر حينما حكم المنذر عليه بالقتل في يوم بؤسه، فرجاه الأعرابي أن يمهله لسنة كي يشاهد أهله ويعود إليه لينفذ به حكم القتل، فاشترط عليه كفيل يكفله، وبالفعل لقد كفله رجل من قوم المنذر، وعند تمام السنة حين كاد يُنفذ القتل بكفيله، أوفى الرجل بوعده وحضر بين يدي المنذر، مما أثار إعجابه وعفا عنه وألغى هذه العادة ليومي بؤسه وسروره.

ثقافة وأخلاق الحياء
هل حياء الرجال اليوم كحيائهم بالأمس؟ وكذلك النساء؟ وكذلك الصغار تجاه الكبار؟ وكذلك المتعلمين تجاه المعلمين؟ وكذلك الأقوياء تجاه الضعفاء؟ والفتوة تجاه الشيخوخة، والرجولة تجاه الأنوثة، والأمثلة تطول، وخير من يسلط الأضواء الكاشفة على هذه الفضيلة العظيمة هو الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حديثه الذي يبين أن اللـه جعل الحياء في جينات الإنسان ليتوارثه الناس (الحياء شعبة من 46 شعبة من الإيمان) وكما قال أيضاً: تخّيروا لنطفكم فإن العرق دساس
أجل فالحياء أول ما يميز الإنسان عن الحيوان، والحياء عنوان التعقل، فمن لا عقل عنده لا حياء لديه.
فالحياء قوة تتحكم بأهواء ونزوات الإنسان، وتلجمه من الشطط والانحراف، وتسيطر على الأنا ورغباتها.
فالحياء هو الكمال للنفس الإنسانية، فيجعلها تتفجر عن حسٍ مرهفٍ فلا تعدي على حرمات الآخرين وحقوقهم، ولا تجاوز لمشاعرهم وحرياتهم مع الحياء.
فالحياء قوة ناظمة لحياة الإنسان على مبدأ الندية والمساواة في التعامل والاحترام المتبادل، فهو يكبح الكلمة النابية، ولا يرضى بالجهر بالسوء من القول إلا من ظُلم، ويحول دون تعدي القوي على الضعيف أو الكبير على الصغير، ويلجم كل تصرفات وسلوكيات الإنسان الناقصة كالغيبة والتجسس واللمز والعشرات من مثيلاتها، كما يعمل على إبعاد أثرها السيئ عن المجتمع.
فأين نحن الآن من )فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء( [القصص: 25]؟
وهل المئات من القنوات الفضائية تسعى لنشر هذه الثقافة وهذه الأخلاق؟
ثقافة وأخلاق العفــة:
)يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً([البقرة: 273].
تعطينا هذه الآية عدة إضاءتك أولها أن من الفقراء متعففين، وثانيها أنه رغم تعففهم فهيئاتهم ومظهرهم شديد الوضوح، وثالثها أنهم رغم معاناتهم لا يسألون أحداً من فضله ولا يلحّون في سؤال، لذلك هم أهل العفة حقاً، ومن لا يعطيهم من فضله بعد معرفتهم يكون من أهل الخسة، أما الذين لا يعرفونهم بل ويحسبونهم أغنياء، فأنفس هؤلاء معتمة ولا يرون إلا ذواتهم.
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله عوضاً ولو نال المنى بسؤاله
وإذا السؤال مع النوال وزنته رجح السؤال وخف كل نوال
وإذا ابتليت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتكرم المفضال
ويعني الشاعر هنا بالمفضال اللـه سبحانه وتعالى. أما أولئك الذين يعرفون الفقراء ولديهم فضل من مال أو ثروة ولا يعطونهم، فلقد قال ابن الرومي عن هؤلاء:
وما الفقر عيباً ما تجمّل أهله ولم يسألوا إلا مداواة دائه
ولا عيب إلا عيب من يملك الغنى ويمنع أهل الفقر فضل ثرائه
وكما قال الأمام علي كرم اللـه وجه (البخل جامع العيوب وزمام يقود إلى كل سوء).
والعفة لا يمكن أن تتمتع بها نفس وفيها حسد أو ضغينة، فالعفة عَفَاءٌ لكل النقائص والرذائل من نفس الإنسان، فبوجودها لا طمع ولا حسد ولا جشع ولا تسول أو سؤال. فالنفس بالعفة عزيزة كريمة، وبالعفة يتساوى الفقراء والأغنياء فهؤلاء أغنياء بمالهم، وأولئك أغنياء بعفتهم. كما للعفة خير كثير فهي تولد الوفرة والخيرات في المجتمع، وتولد المحبة الخالصة في النفوس وتطهرها من الكراهية، فلا تحاسد ولا تباغض في أنفس رُبيت ونمت على العفة.
فما أعظم العفة التي تحقق هذا الوئام الاجتماعي، وما أكبر النفوس التي تحملها.
ثقافة وأخلاق العفو
العفو من صفات الأنفس القوية لا الأجسام القوية فحسب، فالأجسام القوية لا تصبح ذات شخصية قوية إلا بالعقل، الذي يعقل الأمور، والتعقل أقوى من القوة فمع التعقل لا ندامة أما مع القوة فقد تصل الأمور إليها. ومن نواتج العقل لدى من تعقلوا إن أحبوا العلم الحق، وعبوا منه حتى الارتواء، وتمثلوا قيم الأخلاق في أنفسهم، أن يزين الحلم حياة هؤلاء، والحلم جوهر العفو لأن الحلم وليد لعقل مسلح بالعلم والأخلاق، الذي لا ينتج عنه إلا العفو. إذاً فالعفو وليد الحلم، والعفو في ظاهره صفح وتصالح وقوة تمتاز بها الأنفس القوية، وباطنه وجوهره حلم قادر على التسامح وتقريب المسافات والمسارات بين الأنفس، واقتلاع الضغائن، وإطفاء نار الحقد، وإخماد ريح الفتنة وإقصاء تأجج الثأر من ساحة الحراك الاجتماعي. والعفو قوة عظيمة لفتح صفحة جديدة من العلاقات، وتعزيز وشائج اللقاء وبناء جسور المحبة وخير من كل هذا ما قاله الرسول الكريم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» فلا يعفو إلا قوي.
)لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ( [يوسف: 92].
ثقافة وأخلاق الإعراض عن الجاهليـن
إن هذه الثقافة والأخلاق يتفرد بها أهل المعرفة المتميزة التي يمارسونها على الجاهلين، «لدرجة أن يقول المسيء للمساء إليه إياك أعني، فيعرض عنه المُساء إليه قائلاً: وعنك أُعرض»، هذا هو نهجهم في الحياة لا لأنهم ضعفاء، وإنما لكونهم ينطوون على علمٍ وخلقٍ وحلمٍ عظيم. إن أسلوبهم في التعامل هو شنآن الجهلة والفاسدين، والشنأ هو البغض والابتعاد والجفاء للجهلاء.
)وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وإذا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً([الفرقان: 63].
فهم الذين يتعاملون مع من يعترضهم من جاهلين يتعاملون بلين تتبدد عليه جلافة الجهلاء تبدداً، أما أسلوبهم تجاه المتغطرسين والمتجبرين الذين يظنون أنهم يخرقون الأرض وقاماتهم كالجبال طولاً هو التجاهل وعدم إعطائهم أي اهتمامٍ أو اعتبارٍ، على الرغم من معرفة بطشهم وتجاوزهم على هون وبصمت مضمونهما الإعراض عنهم، ومفادهما العلو فوق استعلائهم، والتسامي فوق كل ما يملكون من قوة.
إن أسلوبهم هذا هو أسلوب المدنية المتحضر، وهذا النوع من التكبر على المتكبرين فضيلة لأنها تعرّيهم من رداء ليس رداءهم وليعلم كل متغطرس ومتجبر أو متكبر تخر له الناس جثياً، بأن هذا الكبرياء ليس له. وهل يحق لمن أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بين هذه وتلك يحمل العذرة. هل يحق له التكبر؟ وهل هو أهلٌ له؟
)وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( [الجاثية: 37].
ثقافة وأخلاق القناعـــة
يُعز غني النفس أن قل ماله
ويُغنى غني المال وهو ذليل
في هذا القول حكمة وإصابة، والإصابة هي موجز القول الذي يدل على أن الغني ليس بالمال وإنما بغنى النفس، والحكمة منه تستنتج من خلال التساؤلات التالية:
لماذا تسعى النفوس إلى غنى المال؟
وهل تكتفي النفس وتُغنى وتصبح متعففة كلما زاد مالها؟ وما الفائدة من المال إذا لم يحقق للإنسان العزة والكرامة؟
ومن الأكثر عزة في نفسه وتعففاً في سلوكه الغني أم الفقير، وما لذة المال إذا قاد صاحبه للذل والعبودية.
والغنى في النفس لا يتحقق إلا بالعقل والعلم، فنفوس العقلاء العارفين زاخرة بالقناعة مثلما البحر الذي يزخر باللؤلؤ والمرجان والثروات الأخرى.
فالذين أوتوا العلم بتوارثه أو تحصيله هم أغنى الناس بنظر أنفسهم، وبنظر من للعلم في أنفسهم احترام وتبجيل.
هؤلاء هم الذين تقنع نفوسهم، وتغنى، وتترفع عما يشوب النفوس أو يسقطها أو يجنح بها إلى ما لا يشتهي إنسان سوي.
فالقناعة هي بداية الطريق لتزكية النفس التزكية الحقيقية، فكما للنفس تزكية بكثرة وحسن إنفاقها، فكذلك لها تزكية بحسن اقتناعها واكتفائها بالقليل الذي يكفي الحاجة.
لله تحت ثياب العز طائفةٌ
أخفاهم في ثياب الفقر إجلالاً
ومثل أولئك الفقراء قد يكونون موضع ازدراء واستخفاف من الكثير من الناس لشح حالتهم وبساطة ثيابهم ومظهرهم، إلا أنهم الأقوى ولهم لا لسواهم الخاتمة الحسنى

دليلك أن الفقر خيرٌ من الغنى وأن قليل المال خير من المثري

وصدق الحكيم القائل: (المرء تحت طي لسانه وليس طيلسانه، لأن من ينطوي لسانه على ينبوع قناعة فلا يسأل الناس إلحافاً ويعيش عزيزاً ويموت عزيزاً).

لذا فالثروة مفسدة للنفس إن لم تكن تحت سيطرة العقل، ومن يملكها لا يملك الحرية أبداً، بل هو المملوك للثروة.

ثقافة وأخلاق الوسطية

الوسطية في هذا المقام هي الشاهد والشاهد هو القدوة التي تحتذى، لذا فالمقارنة تتم به، وتقاس الأمور والأشياء عليه، لأن الشاهد هو الأتم والمقارنة به تظهر عيوب الغلو أو التقصير، وآثارهما السلبية في السلوك الاجتماعي، فهل أمتنا العربية قدوة الأمم الأخرى؟ إن أخطر ما في الأمر الشعور بذلك من غير مضمون يرقى فعلاً لأهلية تحقيقه، فلا تلوموا الأمم والشعوب في استهانتها لكم، فأنتم الملومون، وأنتم المسؤولون. (من يهن يسهل الهوان عليه)

فالوسطية هي خيار الحياة الأفضل في كل المجالات - باستثناء الاستزادة العلمية والقيمية - لأنها تجنب لعواقب الزيادة أو الإسراف، وتحييد لنتائج التقصير والنقصان أيضاً، كما أنها ليست التزمت وليست الانحلال، وليست الانفلات ولا الانغلاق، وليست التشدد ولا التراخي وليست المغالاة للنهوض نحو العلا بنصف المجتمع، وتعطيل نصفه الآخر، فما الذي يضير أن تكون المرأة إلى جانب الرجل على قدم المساواة بلا فرق ولا تفضيل؟ ولماذا لا تكون الوسطية مناصفة ومشاطرة ومؤازرة ومشاركة لنصفي المجتمع؟ كفانا لقد أزمنت الأمة في مرضها وشللها.

ثقافة وأخلاق دفع السيئة بالحسنة

إنها السياسة الفذة الناجعة لمعالجة الإساءة بالحسنة، وتقويم الخطأ بالصواب، وبتكرارها وتمثلها في النفس تصبح سلوكاً فاضلاً تنال الرضا والقبول وتجعل من الطرف المسيء أكثر تأثراً وأشد استجابة لها.

لأنه لا بد حين تُقابل إساءاته بالحسنى مراراً وتكراراً من أن يندى جبينه خجلاً، ويندفع طوعاً أو كرهاً للرد على الحسنى بالحسنى.

فالحسنى نهج ينم عن رحابة الصدر وسعة الأفق، والثقة بالنفس، إنها التواضع من غير ذل، والعفة من غير كبر.

إنها ليست المعالجة من غير خسائر فحسب، بل والعاملة على تعزيز لحمة اجتماعية إنسانية عظيمة، إنها سياسة الدفع نحو إنسانية الإنسان، والحفاظ على حقوقه، وترسيخ لمبدأ التعامل الإنساني الذي يزيد التفاهم ويعمق التوادّ والتقارب.

ثقافة وأخلاق الزهــد

«الزهد هو أن لا تفرح بما أصابتك الدنيا به، ولا تحزن على ما فاتك منها».

فالزهد ثقافة وأخلاق اكتفاء مادي، ونهم علمي، وقوة دحر للطمع والحسد والحرص من النفس، فلا تسعى النفس إلاّ لما يزكيها وينمي مشاعرها الإنسانية وعواطفها النبيلة لدرجة ألاّ تطمع بأخذ أكثر مما يكفيها مادياً، أما الروحانيات فتعبّ منها عباً حتى الارتواء، والزهد هو من مقومات الارتقاء الروحي الذي تزداد به النفس صفاءً وانطواءً وصمتاً، على عكس الماديات التي تمنح الإنسان النضارة والانفتاح والزهو أو العجب بالنفس والتفاخر، وعنوان الزهد انعدام الكلام أو قلته، وهذا مؤشر صادق على كمال العقل.

«من تمَّ عقله قلَّ كلامه» لأن من كثر كلامه زاد خطؤه، لذا يظن الكثير من الناس أن أصحاب هذه الثقافة وحيدون في عزلة، نعم إنهم كذلك لظاهرِ مضمونٍ لهم هو أن الواحد منهم أمة قائمة بذاتها، أما باطن الزهد وجوهره كان جلياً في أنبيائه الذين لو شاؤوا لجعلوا التراب ذهباً وفضةً بين أيديهم، وخلاصة هذا الجوهر تجلت في سيدنا محمد (ص) الذي قال عنه في هذا المقام البوصيري في البردة:

كأنه وهو فردٌ من جلالته في عسكرٍ حين تلقاه وفي حشم

كالزُهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ والبحر في كرمٍ والدهر في همم

أجل فرغم بُعْد الزهاد عن الناس ينجذب إليهم الناس ويتقربون منهم بإقبال ورضائية، على عكس سلطان القوة الذي يجمع الناس حوله وقلوبهم بعيدة متباعدة عنه.

ومن أسفٍ أن الصورة انقلبت، والثقافة انكفأت، والأخلاق انحسرت، وأصبحنا في زمنٍ الناس فيه حول القوة ما دامت قوية، إلى أن تضعف فيرحلون إلى قوة جديدة يؤيدون ويباركون.

لقد أصبحت ثقافة العيش الآن وضيعة وأخلاقها مبتذلة، وأصبح أصحاب ثقافة الزهد وأخلاقها يوصفون بالبُلهاء ويقوّمون بالسذّج، فسبحان مغير الأحوال، وسبحان من لا يحول ولا يزول الحي القيوم.

ثقافة وأخلاق الشورى
لقد كان لمبدأ الشورى الذي أعطته أمتنا العربية شرف توجيه الجهود الإنسانية بتعزيز الإيجابي، والعمل على تنحية السلبي، وذلك من خلال استعراض وجوه الآراء والاستفادة من أفضلها في تفعيل تنمية المجتمعات وتعزيز فعالياتها الأكثر إبداعاً وعطاءً، فكانت النتيجة حضارة إنسانية، نشرت رسالتها في أرجاء المعمورة واستفاد منها الغرب، متمسكاً بمفاهيمها ومبادئها التي نسيناها نحن وأخذ هو بناصيتها، فإذا به يبدع حضارة اليوم المذهلة التطور، وأصبحنا نحن على الهوامش مهملين وكالطحالب على الضفاف متشبثين برطوبة ماء تحفظ لنا ريق الحياة.
أجل لقد فاتنا أن الشورى القائمة على الديمقراطية والحرية هي السبب في حضارة اليوم.
إنني أذكّر بهذه المفاهيم العظيمة المضيعة منا والتي وجدت الاهتمام والرعاية من غيرنا لدرجة أن أصبحت دليل عملهم.
أوليس في الشورى الأسلوب والوسائل الناجعة لممارسة الحرية والديمقراطية السليمة؟
ثقافة وأخلاق التعامل والتواصل والحوار
لا أبالغ إذا قلت إننا أغنى أمم العالم على الإطلاق في هذه الثقافة، وإن هذه الثقافة وأخلاقها في التعامل والتواصل والحوار لجديرة، بأن تلقى منا الاحترام المكافئ لقيمتها وأهميتها، والاهتمام اللائق بالحفاظ عليها كمنابع لفكر إنساني نابغ يتكشف عن روائع وإبداعات متواصلة.
ويشرفني أن أشير إلى أن الحوار القرآني هو المعين الذي لا ينضب لضخ هذه الثقافة والأخلاق؛ بطيفها وألوانها الواسعة التي لا تحصى بدءاً من أدب التحية والسلام والكلام، وأسلوب الخطاب، إلى الحوار والجدال وآداب الاستماع والإصغاء والحجة والبيان والبلاغة، وأخلاق الحلم والحكمة والعظة في التعامل والتواصل، واللين في القول وسعة الصدر وكظم الغيظ وغيرها.
ليتنا نُجري مقارنة بسيطة بين المحاورين العرب وبين المحاورين الغربيين على الشاشات الفضائية؟
لعل العربي يعرف أخطاءه ويجد ضالته؟
فيالنا من ظَلمة متجبرين، وجهلة معتمين؟ (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) الحج 46.

وأود أن أختتم القول بشجون للجواهري
ماذا يراد بنا وأين يسار والليل داجٍ والطريق عثار

ثقوا أنه لا عزة لكم مع من أحببتم واتخذتموهم أولياء، إن هؤلاء يأكلون من يحبون ويقتلون من يكرهون، وهم اليوم يُظهرون لكم المحبة والدعم من الخيرات التي سرقوها منكم، وحينما لا يبقى فيكم لحماً سيرمونكم عظماً، فهم ليسوا بأرقى من هتلر الذي شاء أن يحولكم لسماد تنبت عليه العبقرية الألمانية، وبذلك يكونون هم الخلف الأوفياء للسلف من الأشرار، ونكون نحن الذين نختان أنفسنا وأمانتنا التي كانت نظام الأمة، فاستهترتم بها فكان الجزاء خزياً في الدنيا تعيشونه، وهو في الآخرة لأشد إيلاماً وتبارا.
عناوين
الثروة مفسدة للنفس إن لم تكن تحت سيطرة العقل.. ومن يملكها لا يملك الحرية أبداً.. بل هو المملوك للثروة
الحسنى نهج ينم عن رحابة الصدر وسعة الأفق والثقة بالنفس..إنها التواضع من غير ذل.. والعفة من غير كبر
لقد كان لمبدأ الشورى الذي أعطته أمتنا العربية شرف توجيه الجهود الإنسانية بتعزيز الإيجابي.. والعمل على تنحية السلبي
إن الحوار القرآني هو المعين الذي لا ينضب لضخ ثقافة وأخلاق التعامل والتواصل والحوار بطيفها وألوانها الواسعة التي لا تحصى
فالوسطية هي خيار الحياة الأفضل في كل المجالات.. وهي ليست التزمت والانحلال.. وليست الانفلات ولا الانغلاق.. وليست التشدد ولا التراخي ولا المغالاة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.