ما هي النيوليبرالية ؟؟
النيوليبرالية هي فكر آيديولوجي مبني على الليبرالية الاقتصادية التي هي المكوّن الاقتصادي لليبرالية الكلاسيكية والذي يمثل تأييد الرأسمالية المطلقة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.
يشير تعبير "النيوليبرالية" إلى تبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص قدر المستطاع، وتسعى النيوليبرالية لتحويل السيطرة على الاقتصاد من الحكومة إلى القطاع الخاص بدعوى أن ذلك يزيد من كفاءة الحكومة ويحسن الحالة الاقتصادية للبلد.
يرمز هذا التعبير عادة إلى السياسات الرأسمالية المطلقة وتأييد اقتصاد عدم التدخلوتقليص القطاع العام إلى أدنى حد والسماح بأقصى حرية في السوق، ويستخدمه بعض اليساريين كتعبير ازدرائي لما قد يعتبره بعضهم خطة لنشر الرأسمالية الأمريكية في العالم، من جهة اُخرى يعتبر بعض المحافظين والليبرتاريين هذا التعبير خاصا باليساريين يستخدمونه لتشويه فكرة السوق الحر.
وللفظ "النيوليبرالية" مدلول قديم انقرض استعماله حاليا وهو الذي أطلقه الاقتصادي الألماني ألكسندر روستوف على الليبرالية الاشتراكية وهو أول من اقترح الشكل الألماني لهذا التوجه الاقتصادي.
الخلفية التاريخية
تجد الليبرالية جذورها الفكرية من خلال المساهمات الفكرية لآباء الفكر الليبرالي منذ القرن السابع عشر وبخاصة جون لوك. وساهمعصر التنوير بكتابه سواء في فرنسا أو في انجلترا في دفع الأفكار الليبرالية. وكانت أسماء مونتسكيو وكوندورسيه وفولتير و دافيد هيوم من الأسماء اللامعة في سماء الليبرالية. ومع ذلك تظل المدرسة الإسكتلندية في التنوير هي الأساس في إعطاء الليبرالية شكلها المتكامل، وخاصة مع دافيد هيوم وآدم سميث. وبرغم أن كتابات جون ستيوارت مل عن مذهب المنفعة حيناً، وتحبيذه لبعض أشكال التدخل الإشتراكي أحياناً أخرى تلقى بعض الظلال على أفكاره الليبرالية، فإن كتاباته وخاصة "عن الحرية" تمثل العمدة في الفكر الليبرالي التقليدي.
والفكر الليبرالي ليس فقط دعوة إلى الحرية، ولكنه بالدرجة الأولى دعوة إلى الفردية، واحترام مجال خاص يتمتع فيه الفرد باستقلاله وحريته دون تدخل أو إزعاج. والليبرالية بهذا المعنى لا تقتصر على الديمقراطية بالمعنى الإغريقي القديم بضرورة المشاركة في اختيار الحكام، ولكنها تتجاوز ذلك إلى ضرورة الإعتراف بحقوق أساسية خاصة للأفراد لا يجوز المساس بها. ومن هنا كانت الديمقراطية الوحيدة التي تتفق مع الفكر الليبرالي، هي الديمقراطية الدستورية أي التي تضع حدوداً على كل سلطة حماية لمجال خاص لحرمة الأفراد في أموالهم وحرياتهم.
وإذا كانت الثورة المجيدة في انجلترا عام 1688 أول اعتراف سياسي بالنظام الليبرالي، فقد استقرت الثورة الليبرالية بوجه خاص معالثورة الفرنسية عام 1789 وقبلها الأمريكية عام 1776. وكان الاعتقاد أن الطريق أمام الليبرالية قد فتح إلى غير عودة، وإذا بالقرن التاسع عشر يحفل بالدعوات الشمولية وضرورة تدخل الدولة، ويسخر من دعوات الفردية والحرية. وعشنا في القرن العشرين تجارب النظم التدخلية والشمولية من فاشية ونازية وأخيراً ماركسية. وحتى الدول التي احتفظت بالتراث الليبرالي بشكل عام، فإنها لم تلبث أن أفسحت المجال لتدخل متزايد للدولة في مختلف مجالات النشاط الإقتصادي والإجتماعي تحت تأثير نظرية كينز في الاقتصاد من ناحية، ولضغط الأحزاب العمالية ذات الإتجاهات الإشتراكية من ناحية أخرى. وهكذا ساد الإنطباع بأن الليبرالية هي من تراث الماضي الذي لا يتجاوب مع حقائق العصر. وبعد مائتي عام على قيام الثورة الفرنسية-داعية الحرية والليبرالية- إذا بالنظام الماركسي يتحلل فيالاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية اعتباراً من عام 1989. وبدأ الحديث من جديد عن الليبرالية الجديدة يفرض نفسه على رقعة متزايدة من العالم.
إن التيار الفكري الاقتصادي الذي ساعد على عودة هذه الليبرالية الجديدة، نجد أنه متشعب يجد في بذوره مدارس متعددة، فالمدرسة النقدية الجديدة ساعدت بشكل ما على تدعيم الفكر الليبرالي الجديد بإلقاء بذور الشك في مدى قدرة الحكومات على تحقيق الاستقرار الإقتصادي عن طريق السياسات المالية وعجز الموازنة. ويرى أنصارها -على العكس- أن الإستثمار الخاص أقدر وأكفأ من الاستثمار العام، ومن هنا أهمية التأثير في النشاط الإقتصادي عن طريق النقدية بدلاً من السياسة المالية وبخاصة عجز المزازنة. كذلك فإن المؤسسية الجديدة، وقد أولت اهتمامها لتوفير المناخ والظروف المؤسسية المناسبة للنشاط الخاص، تعتبر رافداً من روافد الليبرالية الجديدة.
الأفكار الليبرالية
إذ ظلت الأفكار الليبرالية الجديدة أمينة على تراثها في احترام التقاليد الفردية في ضرورة احترام الحقوق الأساسية للأفراد، ووضع القواعد والضوابط على مختلف أشكال السلطة، فإنها تؤمن بأن للدولة دوراً أساسياً لا يجوز التغاضي عنه، فهي ليست داعية -كما يشاع- لعدم تدخل الدولة أو لشعار "دع الأمور تجري في أعنتها". فالخلاف بين الفكر الليبرالي والنظم غير الليبرالية- بالإضافة إلى ضرورة احترام حقوق الإنسان ووضع الضوابط الدستورية على السلطات ينصرف إلى شكل تدخل الدولة وليس مضمونه. فعلى الدولة مسئولية تحقيق الاستقرار الإقتصادي وتوفير شروط وضمانات التقدم، وتوفير العدالة الإجتماعية. ولكن الدولة تتدخل في كل ذلك عن طريق السياسات وليس عن طريق الأوامر. وبوجه خاص فإن الدولة لا تقوم بالإنتاج بنفسها- إلا في ظروف استثنائية- ولكنها تؤثر في ظروف الإنتاج عن طريق السياسات المالية والنقدية. فالدولة الليبرالية هي دولة القانون (بالإنجليزية: Rule of Law) وليست دولة الأوامر (بالإنجليزية: Command Economy).
يظل فردريك فون هايك أهم الأسماء في الدعوة إلى الليبرالية في وقت بدا فيه أن الفردية والفكر الليبرالي قد انزويا إلى غير رجعة، وإليه ترجع معظم الروافد المختلفة التي تصب في المجرى العام للفكر الليبرالي، فالنقديون الجدد وكذا المدرسة المؤسسيةالجديدةوغيرهم يرون في هايك الأب الروحي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق